31/10/2010 - 11:02

من عهد سايكس- بيكو إلى زمن بوش- بلير/عادل أبو هاشم*

من عهد سايكس- بيكو إلى زمن بوش- بلير/عادل أبو هاشم*
الواقع الذي تعيشه الأمة العربية في هذه المرحلة بالذات يدعونا إلى التساؤل عما إذا كان التاريخ يعيد نفسه بعد سقوط بغداد واحتلال العراق على يد قوات الغزو الأمريكي- البريطاني ، والتهديد باحتلال سوريا ، وضرب حركات المقاومة سواء في لبنان أو في فلسطين ؟!

والسؤال الكبير الذي لا بد من طرحه في هذه الأيام الصعبة هو : هل صحيح أن العرب- ومن ضمن أوضاعهم القائمة- لا يملكون خيارًا إلا الرضوخ للمخطط الأمريكي- البريطاني- الإسرائيلي الذي يستهدف السيطرة على المنطقة ودفع العرب إلى الصحراء ؟!

وما هو المطلوب عمليـًا من أجل منع "جريمة الاستسلام" ، وبالتالي الحيلولة دون تبرير الحلول الأمريكية- الإسرائيلية التي تستهدف الوجود العربي بأسره .؟!

إن متابعة سلسلة الأحداث والتغيرات عبر العشرين سنة الماضية وبالأحرى منذ الحرب العراقية- الإيرانية ، نجد أن القوى المسؤولة الحاكمة بأسرها من رأس الهرم إلى قاعدته وبالعكس ، قد قدمت المهم في قضيتـنا الأساسية على الأهم ، مما جعلها تتخبط وتتـناقض على الصعيدين الداخلي والخارجي ، والذي لا ريب فيه أن ذلك لم يحدث بالصدفة مطلقـًا في معظمه ، إنما حدث بالوعي الكامل في الكثير من الحالات ، كما تم نتيجة للجهل وسوء التدبير وعدم الوعي في كثير من الحالات الأخرى .

نقول هذا من خلال عدم تجاهلنا لكافة الحقائق حتى لا تتجاهلنا هذه الحقائق نفسها .!
لسنا هنا في مجال التـنديد أو التهويل ، وتوزيع قرابين الاتهام على الآخرين ، ولكن هناك أكثر من ظاهرة خطر داهم يدعونا إلى القول بأن اتفاقية "سايكس- بيكو" جديدة في طريقها إلى التـنفيذ على مشرقنا العربي تحت مسمى اتفاقية "بوش- بلير" ، مما يحتم علينا التأكيد بأن قضايانا المصيرية لا يمكن ولا يجوز معالجتها على مستوى الصفقة بالرضوخ للمخطط المعادي ، وكأنها لا تتعلق بوجود هذه الأمة حاضرًا ومستقبلا .

بعد الحرب العالمية الأولى قسم الأوروبيون المنطقة ، وأعادوا تشكيلها على هواهم ، وفاز اليهود بوعد "آرثر بلفور" وزير الخارجية البريطاني الذي أعطاهم حق إقامة دولة لهم فوق أرض فلسطين ، كما أن الذين وثقوا في بريطانيا وتحالفوا معها ، واستخدموا في الهجوم على الدولة العثمانية واجتياح مواقعها في الحجاز ، هؤلاء خدعوا في النهاية ، رغم وجود "بروتوكول دمشق" واتفاق "حسين- مكماهون"- (الشريف حسين بن علي والمندوب السامي البريطاني في مصر)- ولا ننسى أن البريطانيين الذين طمأنوا الشريف حسين بن علي وعقدوا معه اتفاقـًا للشراكة في عام 1916م ، أداروا له ظهورهم واتفقوا سرًا مع الفرنسيين على تقاسم النفوذ في العالم العربي في العام ذاته .!

فقد وزعت بريطانيا وفرنسا البلاد العربية بينهما في 9 مايو "أيار" 1916م ، ووقع على وثيقة التوزيع كل من "مارك سايكس" عضو البرلمان البريطاني والمندوب السامي وشؤون الشرق الأدنى ، و"جورج بيكو" قنصل فرنسا السابق في بيروت ومعتمدها السامي ، وقد عرفت هذه الاتفاقية باتفاقية "سايكس- بيكو" ، والعرب سادرون في ثقتهم ببريطانيا ، وماضون في شحذ أسنة حرابهم لمحاربة الأتراك ، والشريف حسين آمن لما في حافظته من رسائل ، ولما في الرسائل من عهود ومواثيق .

والآن وبعد احتلال عاصمة الرشيد ، يبدو أنه في غمرة التـنظير والتفسير والتبرير لما حدث نسينا كل الحقائق الأساسية أو تجاهلناها خجلا ، لأنها تمس ذواتـنا جميعـًا ، ولأنها تفضحنا وتعرينا بيننا وبين أنفسنا بتـناسينا لأبسط القيم والمثل التي هي جزء من حضارتـنا وتاريخنا ومصالحنا ، وبالتالي تتعلق بصميم نظرتـنا المستجدة الخاطئة والطارئة للبديهيات في قضايا الوطن والأوطان .

من الأمور التي تعيد نفسها هذه الأيام ، والتي نشأت عن التغير في موازين القوة ، أن الأقوياء والمستكبرين لم يخفوا مقاصدهم ، وإنما أعلنوا صراحة عن أن المنطقة ستكون هدفـًا لإعادة التشكيل ، حيث لم يعد هناك ما يدعو إلى إخفاء السر ، وإذ بقيت هناك أسئلة كثيرة حول من وأين وكيف ومتى ؟ إلا أن المقاصد واضحة ولم يخفها وزير الخارجية الأمريكي وغيره من أركان الإدارة الأمريكية ومسئوليها ، فقد قالوا صراحة أن المستهدف هو تحقيق المصالح الأمريكية ، وتصفية القضية الفلسطينية ، ليست تلك هي الصدمة الوحيدة ، وإنما ما يصدم المرء حقـًا هو هذا الصمت المريب المخيم على العالم العربي ، الذي يبدو وكأنه أقرب إلى الاستسلام لعملية الذبح ، في الوقت الذي تدل إشارات كثيرة إلى أنه لن يسلم منها أحد ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وهو ما قاله وزير الخارجية الأمريكي كولن باول قبل العدوان الأمريكي- البريطاني على العراق بأيام قليلة عن إعادة تشكيل المنطقة بعد إسقاط النظام العراقي .!

إن فكرة إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط ليست جديدة تمامـًا ، فالكلام عن إعادة رسم خرائط المنطقة الذي بدأ مع احتلال العراق ، والتهديد باحتلال سوريا ، وضرب حزب الله وحماس والجهاد ، تردد على ألسنة بعض المسئولين في الإدارة الأمريكية ، ومن لف لفهم من الغلاة وأقرانهم المهووسين والمتعصبين ، الذين يتوهمون بأن الله كلف أمريكا بمهمة تطهير العالم من الأشرار وإقامة "مملكة الرب".!

لقد تابعنا ما قاله نائب وزير الدفاع الأمريكي بول ولفوفيتـز أحد أولئك الغلاة من أن الوقت قد حان لتغيير موازين القوة في منطقة الشرق الأوسط ، ليس فقط سعيـًا إلى تغيير "النظام" في هذا البلد أو ذاك ، وإنما أيضـًا عبر إنهاء دول بكاملها .!

وهو أيضـًا من قال أن شعوب العالم العربي إذا لم تكن قادرة على تغيير الحكومات المستبدة في المنطقة ، فإن الولايات المتحدة- التـزامـًا بمهمتها "الرسالية" !- ستقوم بذلك نيابة عنهم .!

كلام الغلاة والمتعصبين حمل على الغلو والتعصب ، ولم يحمل على السياسة الأمريكية ، ربما من باب التمني أو حسن الظن ، شجعنا على ذلك في الأغلب أن وزير الخارجية كولن باول كانت له مقاربة مختلفة للموضوع ، بدت في حينها أكثر دبلوماسية .!

فقد تحدث باول في 12 ديسمبر الماضي عما أسماه "مبادرة المشاركة من أجل الديموقراطية والتـنمية" ، وقد رفع شعار "نحو مزيد من الديموقراطية في العالم الإسلامي" ، ورغم أن كثيرين منا امتعضوا حينما استقبلوا المبادرة ، لأنها بمثابة دس للأنف الأمريكية في شؤوننا الداخلية ، إلا أن الكلام ظل عند الحدود التي احتملت الأخذ والرد فيها ، بدليل أن منا من رأى فيها إشارات إيجابية قد تستفيد منها الشعوب العربية ، ومنا من رفضها جملة وتفصيلا .

غير أن تلك الصورة اختلفت بعد أيام قليلة وفي غمرة الاستعداد لشن العدوان على العراق .!
ففي شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ التي عقدت يوم الخميس 6 فبراير الماضي أطل علينا كولن باول بوجه صقوري بامتياز ، يخاطبنا بلغة وولفوفيتـز ، فيعلن أن إطاحة الرئيس صدام حسين قد تعيد تشكيل الشرق الأوسط بصورة جذرية ، على نحو يعزز المصالح الأمريكية ، ويساعد في إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي ، الأمر الذي يعني أننا بإزاء سياسة دولة وليس اجتهاد شخص أو تعبيرًا عن رؤيته ومزاجه الخاص .

إن التدقيق في كلام باول يعني أن الرجل تخلى عن فكرة المشاركة التي أطلقها في مبادرته السابقة ، وبالتالي فدول الشرق الأوسط- ما عدا إسرائيل- مقبلة على إعادة تشكيل هدفه تحقيق مصالح الولايات المتحدة المتمثلة في تأمين منابع النفط وضمان الانصياع للإرادة الأمريكية وفرض السلام مع إسرائيل وإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي عبر إغلاق ملف القضية تمامـًا .!

إن الأسباب الحقيقية للمأزق الذي تعيشه الأمة العربية اليوم ينبع من ذاتها ، ومن داخلها في الأساس ، وكذلك من وجود كل العوامل والتيارات والحقائق الموضوعية الخارجية التي لا يمكن تجاهلها أبدًا .

قد جاءت مواقفنا في معظمها ردة فعل على فعل فوقعنا في المحظور الكبير ، وخلطنا بين الاستراتيجية والتكتيك ، فضاعت الرؤية منا ، وضاعت معالم الطريق .

يجب على الجميع أن يدرك أن الذي يقرر مصير الأمة العربية ليس بوش وبلير ، وليس حجم الهجمة وشمولها وهمجيتها ، وإنما الذي يقرر مصير الأمة هو الأسلوب الذي تأخذ به الأمة هذه الهجمة فهمـًا ومعالجة ، وإنه ليس خيار العرب الرضوخ للمخطط الإمبريالي الجديد ، وإنما خيارهم في إيجاد الوسيلة المناسبة لمواجهة الهجمة المعادية ، فالمعركة أكبر من الجميع ، وأكبر من القيادات ، وأكبر من القادة أنفسهم ، وليس أجدى وأفعل منها في استرداد الكرامة المهيضة والحق السليب .

______
الكاتب هو مدير تحرير جريدة الحقائق- لندن

التعليقات